الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الرحلة من الأندلس إلى بجاية وولاية الحجابة بها على الاستبداد. فلما ولى أبو زيان على تلمسان أشار عليه خاضته ونصحاؤه بأن يبعث هؤلاء الموحدين إلى ثغورهم فبعث أبا عبد الله إلى بجاية وقد كان ملكها عمه أبو اسحق صاحب تلمسان ومكفول بن تافراكين من يد بني مرين وبعث أبا العباس إلى قسنطينة وبها زعيم من زعماء بنى مرين وكتب إليه السلطان أبو سالم أن يفرج له عنها فملكها لوقته وسار الأمير أبو عبد الله إلى بجاية فطال إجلابه عليها ومعاودته حصارها وألح أهلها في الامتناع منه مع السلطان أبي اسحق وقد كان لي المقام المحمود في بعث هؤلاء الأمراء إلى بلادهم وتوليت كبر ذلك مع خاصة السلطان أبي سالم وكتاب أهل مجلسه حتى تتم القصد من ذلك وكتب لي الأمير أبو عبد الله بخطه عهدا بولاية الحجابة متى حصل على سلطانه ومعنى الحجابة في دولنا بالمغرب الاستقلال بالدولة والوساطة بين السلطان وبين أهل دولته لا يشاركه في ذلك أحد وكان لي أخ صغير اسمه يحيى أصغر مني فبعثه مع الأمير أبي عبد الله حافظا للرسم ورجعت مع السلطان إلى فاس ثم كان ما قدمته من إنصرافي إلى الأندلس والمقام بها إلى أن تنكر الوزير ابن الخطيب وأظلم الجو بيني وبينه. وبينما نحن في ذلك وصل الخبر باستيلاء الأمير أبي عبد الله على بجاية من يد عمه في رمضان سنة خمس وستين وسبعمائة وكتب لي الأمير أبو عبد الله يستقدمني فاعتزمت على ذلك ونكر السلطان أبو عبد الله ابن الأحمر ذلك مني لا لظنه سوى ذلك إذ لم يطلع على ما كان بيني وبين الوزير ابن الخطيب فأمضيت محرم ووقع منه الإسعاف والبر والألطاف وركبت البحر من مرسى المرية منتصف ست وستين وسبعمائة ونزلت بجاية لخامسة من الإقلاع فاحتفل السلطان صاحب بجاية لقدومي وأركب للقائي وتهافت أهل البلد علي من كل أوب يمسحون أعطافي ويقبلون يدي وكان يوما مشهودا. ثم وصلت إلى السلطان فحيا وفدى وخلع وحمل وأصبحت من الغد وقد أمر السلطان أهل الدولة بمباكرة بابي واستقللت بحمل ملكه واستفرغت جهدي في سياسة أموره وتدبير سلطانه وقدمني للخطابة بجامع القصبة وأنا مع ذلك عاكف بعد انصرافي من تدبير الملك غدوة إلى تدريس العلم أثناء النهار بجامع القصبة لا أنفك عن ذلك ووجدت بينه وبين ابن عمه السلطان أبي العباس صاحب قسنطينة فتنة أحدثتها المشاحة في حدود الأعمال من الرعايا والعمال وشبت نار هذه الفتنة بعرب أوطانهم من الزواودة من رياح تنفيقا لسوق الزبون يميرون به أموالهم فكانوا في أهم شقة بجمع بعضهم لبعض فالتقو سنة ست وستين وسبعمائة بفدحيوه وانقسم العرب عليهما وكان يعقوب بن علي مع السلطان أبي العباس فانهزم السلطان أبو عبد الله ورجع إلى بجاية مفلولا بعد أن كنت جمعت له أموالا كثيرة أنفق جميعها في العرب ولما رجع وأعوزته النفقة خرجت بنفسي إلى قبائل البربر بالجبال الممتنعين من المغارم منذ سنين فدخلت بلادهم واستبحت حماهم وأخذت رهنهم على الطاعة حتى استوفيت منهم الجباية وكان لنا في ذلك مدد وإعانة ثم بعث صاحب تلمسان إلى السلطان يطلب منه الصهر فأسعفه بذلك ليصل يده به على ابن عمه وزوجه ابنته ثم نهض السلطان أبو العباس سنة سبع وستين وسبعمائة وجاس أوطان بجاية وكاتب أهل البلد وكانوا وجلين من السلطان أبي عبد الله لما كان يرهف الحد لهم ويشد وطأته عليهم فأجابوه إلى الانحراف عنه وخرج الشيخ أبو عبد الله يروم مدافعته ونزل جبل إيزو معتصما به فبيته السلطان أبو العباس في قبائل وجموع الأعراب من أولاد محمد من رياح بمكانه ذلك بإغراء ابن صخر وقبائل سدوبكش وكبسه في محيمه وركض هاربا فلحقه وقتله وسار إلى البلد بمواعدة أهلها وجاءني الخبر بذلك وأنا مقيم بقصبة السلطان بقصوره وطلب مني جماعة من أهل البلد القيام بالأمر والبيعة لبعض أبناء السلطان فتفاديت من ذلك وخرجت إلى السلطان أبي العباس فأكرمني وحياني وأمكنته من بلده وأجرى أحوالها كلها على معهودها وكثرت السعاية عنده في والتحذير من مكاني وشعرت بذلك فطلبت الإذن في الانصراف بعهد كان منه في ذلك فأذن لي بعدما أبى وخرجت إلى العرب ونزلت على يعقوب بن علي ثم بدا له الشأن في أمري وقبض على أخي واعتقله ببونة وكبس بيوتنا فظن بها ذخيرة وأموالا فأخفق ظنه ثم ارتحلت من أحياء يعقوب بن علي وقصدت بسكرة لصحابة بيني وبين شيخها أحمد بن يوسف بن مزنى وبين أبيه فأكرم وبر وساهم في الحادث بماله وجاهه والله أعلم.
|